تسند حربية حسن، الشابة الايزيدية البالغة من العمر ثلاثين عاماً، كتفها النحيل، إلى جنب اكتاف المقاتلين الرجال من ابناء طائفتها، وهي تدافع معهم عن مزار "شرف الدين" احد الاضرحة الدينية المقدسة لدى الايزيديين، والذي يقع قرب سفح جبل "سنجار".
لم تكن المقاتلة من الطائفة الايزيدية حربية حسن، ذات الثلاثين عاما، تعلم أن ما علمها إياه والدها حين كانت في عمر العشر سنوات بحمل البندقية والمسدس والرمي منهما من مسافات بعيدة والتصويب نحو أهداف هي عبارة عن أحجار وقطع خشب ستستعيده خبرة في خوض معارك عنيفة دفاعا عن مدينتها التي اغتصبت واستبيحت بتاريخ 3-8- 2014.
مزار شرف
"الصباح" التقت المقاتلة حربية اثناء زيارة لمنطقة جبل سنجار ومزار شرف الدين بعد تمكن قوات البيشمركة من تحرير وتطهير مناطق عدة وفك الحصار عن جبل سنجار. حربية التي كانت ترتدي بزة عسكرية صافحتنا بيدها مرحبة بنا بحرارة، فيما قبضت يدها الأخرى بحامل البندقية المعلقة على كتفها مكان ما تحمله غالبية النساء عادة من حقائب صغيرة.. استقبلتنا في القاعة المخصصة لاستقبال الزائرين في مزار شرف مرحبة بوجه بشوش بالرغم من المعاناة الهائلة والألم الذي يعتصر قلبها لما لحق بعائلتها وطائفتها من قتل وذبح واختطاف الالاف.
وأكدت لنا حربية أن المرأة الايزيدية لا تقاتل من اجل قوميتها أو ديانتها فحسب وانما تقاتل من اجل الإنسانية فالإرهاب واحد وهو يستهدف الإنسان والإنسانية بصرف النظر عن قوميته ودينه.
مزار شرف الدين هو المزار الرئيس للطائفة الايزيدية يقع بالقرب من سفح جبل سنجار، تعرض لأكثر من 16 هجوماً من قبل عصابات الارهاب خلال الاشهر الاربعة الماضية بهدف السيطرة عليه وتهديم المزار اسوة بما فعلوه بالمراقد والجوامع والمزارات الأخرى في محافظة نينوى وقضاءي تلعفر وسنجار، لكن متطوعي سنجار وهم بالتحديد من ابناء قضاء سنجار كان لهم دور كبير في الحفاظ على هذا المزار المقدس.
دربت 300 فتاة على القتال
تضيف المقاتلة: دربت نحو 300 من الفتيات والنساء الايزيديات على حمل السلاح وكيفية استخدامه، وتم قتل العديد من "داعش" على يد مقاتلاتنا الشجاعات الباسلات اللواتي كن سنداً وظهراً قوياً لاخواننا.. أمام الخطر، توضح حربية، لا يعود ثمة فرق بين الرجل والمرأة، وكما أن سيوف الإرهابيين لا تفرق بين رقبة طفل أو شيخ أو امرأة وشاب، فإننا نساءً ورجالاً نحمل هدفاً واحداً هو حماية أنفسنا والقضاء على عدو الإنسانية. حربية أكدت أنها وبقية المقاتلات يكن في الخط الثاني في بداية كل معركة وهجوم يشنه الارهابيون، لكننا نجد أنفسنا تحت وطأة الهجوم والحماسة في الخطوط الامامية جنباً إلى جنب إخوتنا وأبنائنا.
وتستذكر حربية بمرارة وحزن واضحين في نبرة صوتها وتعابير وجهها وغصة قلبها، كيف قتل "صنّاع الظلام" الالاف من الرجال والاولاد والمسنين واختطفوا النساء والفتيات والاطفال وابادوا قرى بأكملها في القضاء كقرية كوجو التي قتل فيها أكثر من 600 رجل، واختطفوا نساءها. وأشارت إلى أن قرية كوجو معروفة بجمال نسائها وكذلك تل عزير التي تسمى بالقحطانية وقرية كرزر وغيرها من قرى القضاء.
الوطن أغلى من كل شيء
هذه المقاتلة الشجاعة صمدت مع أبناء جلدتها ولم تذهب كغيرها مع أهلها وأخواتها العازبات إلى اقليم كردستان، كان خوفها من سيطرة داعش على منطقة مزار شرف الدين دافعها للبقاء إلى جانب زوجها قائد قوات سنجار قاسم ششو وهو قائد عسكري معروف بشجاعته وصموده ويقاتل ببسالة مع قوات حماية سنجار من اجل حماية المنطقة وتحريرها من سيطرة وبطش "داعش" الارهابي.. قاسم ششو المعروف بـ(ابو خالد) حاصل على الجنسية الالمانية منذ 25 عاماً لم يستطع البقاء بعيداً عن مدينته التي يهددها خطر الظلاميين فعاد مع ابنائه من المانيا للدفاع عن وطنه الأم وخاض ضد الإرهابيين معارك عنيفة، وأقسم انه لن يغادر أرض المعركة الا شهيداً أو منتصراً ويعود قضاء سنجار والقرى التابعة له إلى أبنائه.
وعن كيفية الحصول على الاسلحة والاعتدة خلال الاشهر الماضية والحصار وانقطاع الطرق، توضح المقاتلة حربية أنه بعد سيطرة داعش على قضاء سنجار وصلت شاحنتان محملتان بالأسلحة والعتاد من اقليم كردستان، وبعد سيطرة داعش على العديد من النواحي والقرى واغلاق الطرق كان السلاح والعتاد والمساعدات الغذائية والملابس وغيرها من الاحتياجات الضرورية للعيش تصل إلينا عن طريق الجو بطائرات الهليكوبتر من اقليم كردستان لاسيما ان منطقة مزار شرف الدين اصبحت ثكنة عسكرية يتواجد فيها نحو 3000 متطوع من قوة حماية سنجار.
مأساة المختطفات
حربية التي يحدوها أمل كبير بأن نور الفجر قريب لا محالة، حدثتنا بألم وحزن شديدين عن معاناة وأهوال ما لاقته الفتيات اللائي تم اختطافهن من قبل "داعش"، واستطعن الهرب والعودة اليهم. وأكدت حربية أن عدداً منهن لم يستطعن العيش بعد ما حصل لهن من تعذيب واغتصاب وانتحرن من أعلى الجبل بسبب الضغط النفسي، موضحة ـ فيما تنساب دموع لم تستطع السيطرة عليها ـ أنه كان من الصعب عليهن نسيان ما شهدنه وهنّ في قبضة "داعش". ولفتت حربية الى أن الالاف من الفتيات والنساء والاطفال تم اختطافهم وهم موجودون حالياً في قضاء تلعفر والموصل وسوريا. واشارت الى أن عدداً من المختطفات اتصلن باهلهن أو معارفهن واكدن أنهن بأيد امينة بعد أن تم بيعهن في سوق السبايا في الموصل أو سوريا وتم شراؤهن من قبل شيوخ ووجهاء ميسوري الحال حيث يختلف المبلغ المدفوع لشراء الفتاة أو المرأة حسب العمر فكلما كانت الفتاة صغيرة ارتفع سعرها أكثر بحسب ما أكدته لها فتاة استطاعت الهرب من قبضة "داعش".
جريدة الصباح
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words