إذا صحت الأخبار التي تفيد بأن رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي سيكون مسؤولا عن الحشد الشعبي فإن ذلك يعني أن سياسيي العراق لم يستوعبوا ولو جزءا صغيرا من الدرس المأساوي الذي الحق بهم العار.
فالمالكي هو المسؤول الاول والاخير عن انهيار الجيش العراقي وسقوط الموصل. لولا سياساته الطائفية في التهميش والاقصاء والعزل ما كان من الممكن أن يكون لتنظيم داعش موطء قدم في الانبار وصلاح الدين.
المالكي في حقيقة ما فعله كان قد خان وظيفته، خان المسؤولية التي أوتمن عليها، خان شيعيته التي يقدمها على عراقيته حين كلف اعلامه ببث الذعر في صفوف شيعة العراق خوفا من مقدم سنة العراق إلى بغداد غزاة، فاتحين.
وبسبب تلك الخيانة سقط جزء كبير من الشعب العراقي ضحية للقتل والتشرد والاضطهاد والقمع والنزوح والمهانة والجوع واليأس وفقدان الكرامة. هناك اليوم أكثر من مليوني نازح داخل العراق، تعجز الدولة التي كان المالكي يقودها بنفسه عن توفير أبسط سبل العيش الكريم لهم.
لقد سلم المالكي لخلفه العبادي دولة مفلسة، ينخرها الفساد ويشلها التناحر بين سياسيين طائفيين، كان تقاسم المغانم ولا يزال هاجسهم الوحيد. الدولة التي ترك المالكي موقعه القيادي فيها مجبرا لم تكن إلا كذبة، فحكومتها لم تكن قادرة على حماية المنطقة الخضراء التي تقيم فيها ولولا فيلق القدس وهو ما اعترفت به ايران لالتحقت بغداد بالموصل وصلاح الدين والانبار.
وإذا ما كان المالكي قد الهى البسطاء من العراقيين بحديثه عن المؤامرة التي حيكت خيوطها في الظلام من أجل سقوط الموصل فإنه لم يقل صراحة أنه كان المتآمر الأول. فمنصبه قائدا عاما للقوات المسلحة يجعله مسؤولا بشكل كامل عن هروب قطعات الجيش العراقي قبل أن تخترق عصابة داعش الحدود العراقية ــ السورية.
والآن بدلا من أن يقدم المالكي إلى القضاء لكي يحاكم بتهمة الخيانة العظمى يسعى النظام العراقي إلى رد الاعتبار إليه وتلميع صورته، من خلال إظهاره بصورة البطل الذي سيحرر العراق بميليشيا طائفية، بينت الوقائع أنها لم تؤسس إلا من أجل القيام بجرائم ابادة جماعية في حق سكان البلدات والقرى التي كانت محتلة من قبل تنظيم داعش.
ما الذي ينتظره عراقيو الموصل وصلاح الدين والرمادي، إن تم استبدال سلطة داعش بسلطة ميليشيا يقودها المالكي، وهو الذي أجرم في حقهم طوال ثمان سنوات، هي الزمن الذي قضاه حاكما مستبدا؟
ستتسع حفلة القتل. يومها سيكون كل حديث عن حماية دولية للمدنيين متأخرا.
ما عجز المالكي عن القيام به في حقبته السوداء سيكون متاحا له في ظل صمت أميركي مريب، يستدعي التفكير بما يمكن أن ينطوي عليه من مخططات لوضع جرائم الابادة الجماعية في سياق تاريخي، معه ومن خلاله تكون الحرب الاهلية (شيعية ــ سنية) مشروع المستقبل العراقي.
كان للمالكي مشروع واحد هو الحرب الاهلية.
لذلك فإن مكانه الحقيقي إذا ما كان العراقيون جادين في استعادة بلدهم موحدا إنما يقع في قفص محكمة عادلة، تنظر في ملفاته، واحدا تلو الآخر، ليطلع العراقيون من خلالها على حقيقة ما جرى لهم في حقبة التهمت ثمان سنوات من حياتهم، كانت أشبه بالجحيم الذي انتهى بهم إلى أن يقعوا في قبضة عصابة مجرمة، الله وحده يعلم متى يمكنهم التخلص من آثار جرائمها.
مَن يفكر في انقاذ العراق عليه أولا أن يعيد النظر في البرامج التي اعتمدها المالكي والتي أدت إلى نسف مفهومي الوطن والمواطنة. فاستعادة الارض على صعوبتها في ظل غياب جيش محترف هي اسهل بكثير من استعادة ثقة البشر الذين يقيمون على تلك الارض التي هي جزء مقدس من العراق.