يعاني السكان في مدن العراق من تلكأ كبير وواضح في اغلب مشاريع البنى التحتية، وتشتكي المحافظات على مدى سنوات طويلة من عدم محاسبة الشركات المتلكئة واستمرارها في عملها المشوب، بعدم الكفاءة والفساد.
وكشف عدد من المسؤولين والمختصين والناشطين والمواطنين، في أحاديث لـ"المسلة" ابرز إخفاقات الشركات، داعين الى محاسبتها، لعدم وفاءها بالتزاماتها تجاه في اكمال المشاريع المتلكئة.
وقال عضو مجلس محافظة ميسان، سرحان جاسم لـ"المسلة" ان "عددا كبيرا من المشاريع متوقفة، وأخرى متلكئة ما ترك عبئا ثقيلا على مشاريع المحافظات التي تنفذها الوزارات ومنها محافظة ميسان".
واوضح إن "المحافظة أعدت خطة تنموية كبيرة بحدود ثماني مليارات دولار لعام 2015 الا ان العجز الكبير في الموازنة الاتحادية جعلتنا نعيد النظر ونضع خطة لميزانية بـ 150 مليار دينارعراقي".
وبيّن ان "مبالغ البترو دولار التي خصصتها الحكومة الاتحادية لا تكفي لانجاز مشاريع تخدم المواطن، وعليه ومراعاة العجز في الموازنة الاتحادية يفترض ان يبقى مبلغ الثلاثة دولار، دين على الحكومة، تعطى للمحافظة في وقت اخر".
ومن جهة اخرى بيّن عضو مجلس ذي قار المهندس رشيد السراي لـ"المسلة" ان "الاجراءات التي تتضمن تلك المشاريع تتطلب مراجعات من عدة جوانب".
ويوضح "هناك آلية لمحاسبة للشركات المتلكئة لكنها معقدة وتؤثر على سير المشاريع، لذا يتم تجنبها قدر المستطاع، فضلا عن تأثير الفساد الاداري".
ويضيف السراي إن "التلكؤ في مشاريع الوزارات هو الاكبر".
ويتابع الحديث "على سبيل المثال، ان آليات الاستثمار المعمول بها، فيما يخص حل ازمة السكن، غير مجدية، داعيا الحكومة للتخلي عنها".
وكانت محافظة ذي قار قد طالبت سحب العمل من 50 شركة متلكئة في تنفيذ المشاريع الوزارية في المحافظة.
واكدت ادارة المحافظة تلكأ 90% من المشاريع الوزارية، وعدم قدرة الشركات المتلكئة، على انجاز العمل ضمن السقف الزمني المحدد،وفق المواصفات القياسية المطلوبة.
واعلنت محافظة ميسان، بأن كافة مشاريعها الاستثمارية التابعة لوزارة الشباب والرياضة "متلكئة"، وطالبت ادارة المحافظة وزارة الشباب والرياضة بإيجاد حلول لتلك المشاريع ومحاسبة الشركات المتلكئة.
من جانب اخر، يوضح المواطن احمد علي لـ"المسلة" ان "مشكلة المشاريع يعود بالدرجة الاساس الى عدم المتابعة وتحويل المقاولات الى مقاولين ثانويين لم يفقهوا من المشاريع شيء سوى انهم يمتلكون أموال وينسقون صفقات الفساد مع المسؤولين".
ويؤكد ان "تلك الاسباب تدفع الكثير من المشاريع والكثير من المقاولين الى التلكؤ وعدم التنفيذ من خلال العلاقات ببعض المسؤولين المتورطين معهم بصفقات مشبوهة للحصول على تلك المشاريع".
ويضيف ان "الفساد يزداد يوما بعد يوم، لان اسلوب مكافحته يخضع للعلاقات الجانبية والمجاملات، في ظل غياب واضح للمهنية"، داعيا الى "ضرورة ايجاد طرق للتخلص من كل الفاسدين دون استثناء، ومن يحمي الفاسد هو فاسد ايضا".
تنشر "المسلة" مع التقرير صورة لمركز صحي في محافظة ذي قار متلكئ منذ اكثر من سنتين، فيما تعود الصورة الأخرى الى مدرسة، في منطقة الفهود في الناصرية، أعاق الفساد إتمام بنائها.
و اعلن مجلس محافظة البصرة في نهاية سنة 2014 عن سحب العمل من عدد من الشركات المتلكئة في تنفيذ مشاريع خدمية في عدد من القطاعات الخدمية المختلفة.
وقالت رئيس لجنة التطوير والاعمار بمجلس البصرة زهرة البجاري لـ"المسلة" ان "مجلس المحافظة أصدر قرارا يقضي بسحب العمل من 15 شركة متلكئة بتنفيذ المشاريع الخدمية في المحافظة".
وبينت أن "المشاريع التي سيتم سحبها سيصار إلى تنفيذها من قبل الدوائر المستفيدة أو شركات أخرى، على نفقة الشركات المتلكئة".
واوضحت أن "السبب في تلكؤ تنفيذ المشاريع هو عدم الدقة في اختيار الشركات المتخصصة، بالإضافة إلى اعتماد بعض الشركات على مبالغ الـ 10 % التشغيلية التي تمنح اليها في بداية تنفيذها المشاريع دون ان تكون لديها كفاءة مالية".
من جهة أخرى، بيّن الناشط المدني والاكاديمي بجامعة البصرة، الدكتور كاظم هيلان لـ"المسلة".. "اكاد اجزم ان كل المشاريع التي اقيمت في البصرة هي مشاريع متلكئة، وحتى التي اكتملت فلنها لم تستوف شروط الجودة وسرعان ما ظهر عليها الفشل".
واوضح هيلان "الجهات التي نفذت والتي تابعت هي جهات فاسدة، ومثال على ذلك عدد من الجسور التي اقيمت للمركبات كلها جسور غير مستوفية المواصفات".
وأكد "الحكومات المحلية على مدى عشر سنوات حكومات فاشلة، لم تقدم للبصرة اي منجز حقيقي، عادت بالبصرة للوراء كونها تفتقد لخطط استراتيجية ورؤية".
وينهي هيلان حديثه "الوضع سيبقى على حاله طالما ظلت الرقابة الشعبية دون المستوى المطلوب، وضلت منظمات المجتمع المدني لا تقوم بدورها في فرض رقابة حقيقية بعد ان فقدنا ان تقوم المؤسسات الرقابية الحكومية".
ويعتقد مراقبون بأن نقل ملف المشاريع الاستثمارية من الوزارات الى الحكومة سيقلل من حجم التلكؤ، ويقلل ايضا نسبة الفساد المالي والاداري، وكذلك يساهم في دفع الحكومات المحلية الى المراقبة عن كثب دون تدخل الوزارات.
وتعاني اغلب المحافظات الجنوبية من تلكؤ المشاريع الاستثمارية الوزارية، لكن هناك اعتقاد سائد بان مشاريعها التابعة لها ولتنمية الاقاليم ليست بحجم التلكؤ الذي تشهده تلك المشاريع التي تكون تابعة الى الوزارات.
وكانت الهيئات التنسيقية للحكومات المحلية قد طرحت فكرة قضية نقل صلاحيات ثمانية وزارات في اجتماع مع رئيس الحكومة حيدر العبادي نهاية السنة الماضية.
بضمنها صلاحيات الدوار الفرعية والوظائف والخدمات واختصاصات الوزارات الى المحافظات وفقا لقانون 21 لسنة 2008 وتعديلاته والتسريع بنقلها.
وتضمن الاجتماع، مناقشة قانون الاستثمار، ووضع حلول للمعرقلات التي حالت دون سرعة انجاز المشاريع الاستثمارية في المحافظات وتوفير القروض للمستثمرين العراقيين وتقليص نسبة الفائدة.
ويمنح نظام اللامركزية الإدارية الذي يدار طبقا له نظام الحكم في العراق صلاحيات كبيرة لمجالس المحافظات والمحافظين استنادا للدستور العراقي وقانون المحافظات وتحديدا ما أشير في المادة /45/ من قانون التعديل الأخير لقانون /21/ المعدل في 14 اب لعام 2013.
وتنص المادة (45) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل على تأسيس هيئة تسمى "الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات" برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء البلديات والأشغال العامة، والإعمار والأسكان، العمل والشؤون الاجتماعية، والتربية، والصحة، التخطيط، الزراعة، المالية، والرياضة والشباب، ووزير الدولة لشؤون المحافظات والمحافظين ورؤساء مجالس المحافظات، وتتولى نقل الدوائر الفرعية والأجهزة والوظائف والخدمات والاختصاصات التي تمارسها الوزارات، مع اعتماداتها المخصصة لها بالموازنة العامة والموظفين والعاملين فيها الى المحافظات في نطاق وظائفها المبينة في الدستور والقوانين المختصة بصورة تدريجية ويبقى دور الوزارات في التخطيط للسياسة العامة.