ديلي ستار: العبادي يكافح لمحو "آثار شقاق" ورثه من حقبة المالكي

بعد ثلاثة أشهر على تسلّمه المنصب في مهمة تهدف إلى توحيد بلد منقسم متحارب، يحاول رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي أن يمحو الإرث المسبب للشقاق لسلفه بموجة من التدابير الدراماتيكية السريعة . إلا انه يواجه تحدياً كبيراً في تشكيل جبهة مشتركة ضد مقاتلي داعش،

و إعادة بناء جيش غير فعّال، وإعادة تأكيد سلطة الحكومة المركزية في جميع أنحاء البلاد . 

الوقت ينفد ومعركة احتواء مسلحي داعش، الذين يستولون على مناطق عدة، تستنزف موارد البلاد المالية ، وهناك الملايين من النازحين والغضب الطائفي يتنامى. وردّ العبادي على ذلك بسلسلة من الخطوات لتحسين موقف الحكومة ليس مع الكرد والعشائر السنّية فقط وإنما أيضا عبر الحدود مع دول الخليج المجاورة.

وتتضمن نجاحات العبادي صفقةً عقدها الشهر الماضي مع إقليم كردستان حول صادرات النفط ومدفوعات الميزانية التي جاءت بعد أشهر من الخلافات، كما انه أعفى العشرات من كبار ضباط الجيش والشرطة الذين عيّنهم سلفه نوري المالكي، وأعلن عن حملة ضد الفساد في الجيش، و أمر بوضع قيود على الاعتقالات العشوائية دون إذن من القضاء وتسريع الإفراج عن المعتقلين الذين يأمر القضاء بإطلاق سراحهم. 

ويقول القاضي والوزير السابق وائل عبداللطيف "أكبر إنجازاته هي الرغبة في التغيير والتعامل مع أخطاء السنوات الثمانية الماضية" مشيرا إلى ولايتي المالكي. 

وبعد أن استعدى المالكي السنّة والكرد من خلال تعزيز المصالح الشيعية المتشددة، يحاول العبادي كسب العشائر السنّية التي تمثّل معاقلها جوهر قوة داعش حيث قام بتعيين وزير دفاع سنّي و أجرى محادثات مع شيوخ العشائر السنّية . كما يحاول هذا الإسلامي الشيعي المعتدل إصلاح الجسور مع الدول العربية السنّية في الخليج، و هو مجهود تلاحظه جميع بلدان المنطقة. قال وزير خارجية دولة الإمارات العربية عبدالله بن زايد آل نهيان بعد زيارته بغداد الشهر الماضي " ما سمعته و شهدته من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يشكّل بصراحة اختلافا كما بين الليل و النهار بالمقارنة مع عرفناه و سمعناه من رئيس الوزراء السابق المالكي". كما ان السعودية تتحدث عن إعادة فتح سفارتها في بغداد قريبا . 

خلال الشهر الماضي، صدم العبادي الكثير من العراقيين عندما قال إن تحقيقا كشف وجود ما لا يقل عن 50 ألف جندي فضائي في قوائم رواتب الجيش العراقي يتسلمون رواتب دون حضورهم لأداء الواجب ويدفعون للضباط مقابل بقائهم في منازلهم، و وعد بالمزيد من المساءلة و الشفافية. كما قال انه سيكسب مصادقة البرلمان على موازنة 2015 ، بعكس موازنة العام الحالي التي لم تحصل المصادقة عليها أبداً بسبب التوتر بين المالكي و الأطراف السياسية.

مثل المالكي، فإن العبادي يبلغ الثانية و الستين من العمر و هو عضو بارز في حزب الدعوة الإسلامية الذي كان محظورا في عهد صدام، وكلاهما هرب من البلاد و عاد بعد سقوط صدام عام 2003 . لكن بينما قضى المالكي فترة نفيه بين دمشق و إيران و عمل في المعارضة تحت اسم مستعار ، فإن العبادي – المهندس المؤهل – عمل في مشاريع تجارية في بريطانيا لأكثر من عشرين عاما . كما انه اتخذ نهجا واقعيا في الحكم بعكس الأسلوب العقائدي السرّي الذي يراه النقّاد في المالكي . يقول دبلوماسي غربي رفيع في بغداد " لقد فكّك العبادي الكثير من دولة المالكي. لو نظرنا إلى إنجازات حكومته نراها جديدة، لكنها تحتاج إلى وقت ". خلال ولايته، تم طرد قوات داعش من جرف الصخر جنوب العاصمة و من مدينتين قرب الحدود مع إيران، كما رفع حصار المتطرفين عن مصفى بيجي النفطي الذي دام خمسة أشهر . إلا ان المكاسب السياسية أو العسكرية يمكن ان تنقلب، و أن مهمة فرض السلطة المركزية مازالت مستمرة والبعض يعتقد ان زخم العبادي سيتباطأ و يتأخر . يقول المتحدث عن حكومة كردستان سفين دزئي " كانت بدايته جيدة وأنه ينتهج السياسة الصحيحة، لكن الموقف الإيجابي لا يكفي لإصلاح ما انكسر" ، ذاكراً ان العبادي قد يواجه سخطا ليس فقط من الخارج و إنما من بين ناخبيه أيضا . سرعان ما اتضح ذلك بعد إعلان صفقة النفط مع الكرد عندما قال وفد من مدينة البصرة إن إقليمهم الجنوبي –الذي ينتج أغلب نفط العراق – يجب أن يتمتع بنفس استقلالية الكرد . 

حتى الآن، فإن مبادرات العبادي تجاه السنّة في محافظة الأنبار الغربية – التي تدعم بشكل فاعل القتال ضد داعش – مازالت تواجه شكوكا من شيوخ العشائر الذين يشتكون من قلة تعزيز حكومة بغداد لهم . يقول أيهم كامل، المحلل في مستشارية مجموعة أورو – آسيا ، ان عام 2014 يؤشر شهر العسل السياسي للعبادي و ربما ذروة سلطاته المحدودة ، و يمكن ان يكون العام القادم أكثر صرامةً. بعد الانتصارات التي تحققت ضد مجموعة داعش في المناطق المختلطة طائفيا، سيواجه العبادي ضغطا لدفع الهجوم إلى المعاقل السنيّة للمجموعة. 

استمرار الاعتماد على المليشيات الشيعية بدلا من الجيش و على الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ، يسلّط الضوء على ضعف دولة العبادي . يقول كامل " مازالت هناك حكومة مركزية في بغداد مسؤولة اسمياً عن البلد ككل. لكن بالمعنى الحقيقي فإن الحكومة المركزية ليست وثيقة الصلة بالمناطق الكردية، و لا صلة لها بالمعاقل السنّية ، و قليلة الصلة أيضا في الجنوب الشيعي ".

المدى