اعترافات محقق امريكي مارس التعذيب في "أبي غريب"
كتب إيريك فير في صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية مشاعره اليوم وهو يتذكر يوميات من حياته في سجن ابوغريب في العراق. يقول فير: قضيت الفصل الدراسي الحالي أدرّس الكتابة الإبداعية في جامعة ليهاي، ولكنني كنت جندياً ثم ضابطاً ومحققاً.
لذا فإن سماع الطلاب ينادونني بلقب أستاذ ويقدمون لي الواجب الدراسي كان بمثابة تغيير كبير في حياتي. بيد أن محتوى المنهج الدراسي، "الكتابة عن الحروب"، لم يجعلني بعيداً عن الذكريات التي لازمتني طوال العقد الماضي.
وأدين بالفضل إلى جامعة ليهاي التي أعطتني فرصة تدريس هذا المنهج. ولعل رغبة الكلية في وضع محارب قديم في فصل دراسي هو شيء تحتاج إليه هذه الدولة بشدة من أجل معالجة ما صنعته 13 عاماً من الحرب. إلا أن التدريس عن الحرب يذكرني يومياً بأنني لست أستاذاً جامعياً، فقد كنت محققاً في سجن أبوغريب ومارست التعذيب.
ويهيمن أبوغريب على كل لحظة من يومي، ففي بداية 2004، كان العاملون في السجن يتدافعون لتغطية جدران صدام حسين بطبقة من الدهان الأصفر. ومصادفة، ركنت إلى أحد تلك الجدران، ولا زلت أشعر بارتداء جاكيت الصوف الأسود الملطخ، وأشم رائحة الطلاء وأسمع الأصوات. عندما طلبت من الطلاب مشاركة ذكرياتهم عن الصورة المنشورة في عام 2004 التي تظهر الانتهاكات بحق المعتقلين، كانت نظرات الطلاب تنم عن حرج شديد اعترافاً بأنهم لا يعرفون شيئاً عن أمر كان ينبغي أن يعرفوه. وتفادى معظمهم النظر في عيني.
وأبو غريب، سجن يقع قرب مدينة أبو غريب والتي تبعد 32 كلم غرب بغداد عاصمة العراق. اشتهر هذا السجن بعد 2003 لاستخدامه من قبل قوات التحالف في العراق، وإساءة معاملة السجناء داخله وذلك اثر عرض صور تبين المعاملة المريعة من قبل قوات التحالف للسجناء داخل السجن. تم بناء السجن من قبل متعهد بريطاني في خمسينيات القرن العشرين على مساحة 1.15 كلم مربع مع 24 أبراج أمنية. وفي 2002 بدأت حكومة صدام حسين بالقيام بتوسعة في السجن تشمل إضافة 6 أقسام أخرى تابعة للسجن.
يسترسل فير: وهذه هي المرة الأولى التي أصادف جيلاً لا يعتبر نشر صور سجن أبوغريب لحظة فارقة في حياته، ولا ألومهم، فقد كانوا في المرحلة الابتدائية في ذلك الوقت، وبات شيئاً في كتب التاريخ، ويتحدث عنه آباؤهم. وقد نظرت إلى وجوههم الشاحبة، وأدركت أنه يمكنني أن أشعر شعوراً قوياً بالراحة، ففضيحة أبوغريب ستختفي، وستذهب آثامي طي النسيان، ولكن ذلك لن يحدث ما لم أتركه يحدث. وقد نشرت مقالات في الصحف تصف الانتهاكات في معاملة السجناء العراقيين، وأجريت حوارات تلفزيونية وإذاعية وتحدثت مع جماعات من منظمة العفو الدولية، واعترفت إلى محام من وزارة العدل بكل شيء، وقلت كل ما يمكن قوله. وقفت في ذلك اليوم أمام الطلاب محاولاً بلامبالاة تخفيف الحقائق التاريخية المؤلمة. فلم يعد يمكنني تقمص دور المحقق السابق في أبوغريب، وإنما أستاذ في جامعة ليهاي، يتعين عليّ تقييم أوراق الطلاب والتحدث بعبارات منمقة.
ويمكن لابني أن يستقل الحافلة إلى المدرسة ويتحدث لأصدقائه عن عمل والده، ويفخر بي. ولكنني لست كذلك، فقد كنت محققاً في سجن أبوغريب ومارست التعذيب!
المسلّة |