تلتزم الفصائل المسلّحة السنية المعتدلة جانب الحياد ازاء التحالف الدولي والداخلي ضد تنظيم"الدولة الاسلامية"، وهي تمثل "حصان طروادة" لهزيمة هذا التنظيم المتشدد، لكن تلك الفصائل وجدت نفسها أمام خيارين فاما تأييد "الدولة الاسلامية"أو تأييد الحكومة التي يعتبرونها طائفية وتستهدف السنة، ولهذا لجأت الى الحياد. لم تنجح الحكومة العراقية والولايات المتحدة في إقناع الفصائل المسلحة السنية العراقية المعتدلة بالوقوف إلى جانبهما في الحرب ضد التنظيم المتشدد، وفشلت سلسلة مفاوضات جرت في أربيل والعاصمة الأردنية عمان في تحقيق ذلك. في الوقت نفسه تعلم الولايات المتحدة والحكومة العراقية جيداً أن الحصول على تحالف دولي واسع ضد"الدولة الاسلامية "لا يكفي لهزيمته، بل أن هناك حاجة الى تعاون للفصائل المسلحة المعتدلة لأنها العنصر الوحيد المثمر في النزاع متواجد داخل المدن التي يسيطر عليها التنظيم، حسبما ذكر موقع "نقاش" الاخباري العراقي في تقرير له. ففي المحافظات السنية، هناك ست فصائل مسلّحة سنية معتدلة أبرزها"المجلس العسكري للثوار"، وهو تحالف يضم العشرات من العشائر السنية، وهناك أيضاً "الجيش الإسلامي" و"جيش المجاهدين" و"كتائب ثورة العشرين"، وجيش"رجال الطريقة النقشبندية" و"أنصار الإسلام". لكن حكومة المالكي السابقة أقدمت في وقت سابق على فض الاعتصامات السنيّة في محافظة الأنبار بالقوة وأدخلت قوات كبيرة من الجيش إلى المدن السنية في محافظات أخرى، واستغلت "الدولة الاسلامية" فرصة تذمر السكان والعشائر ودخلت هذه المدن، أما الفصائل المسلّحة السنية فلم تواجه المتشددين لأن عدوها المشترك هو الحكومة. وبعد شهور على سيطرة التنظيم على المدن السنية في الأنبار وصلاح الدين والموصل وأطراف بغداد، طلب التنظيم من الفصائل السنية مبايعته لكنها رفضت الأمر فبدأت المشاكل بين الطرفين. وبينما يحاول الجيش منذ شهور استعادة هيبته بعد سقوط الموصل ويخوض معارك من دون جدوى لاستعادة المدن من قبضته، كان التنظيم المتشدد يواجه معارضة داخل المناطق التي يسيطر عليها من قبل الفصائل المسلحة السنية حيث قام عدد من أفرادها بقتل عناصر من "الدولة الاسلامية" في الموصل والأنبار وكركوك وكانت ردة فعل التنظيم قاسية إذ أقدم على قتل واعتقال قادة الفصائل كما حدث في ناحية "الحويجة" جنوب كركوك. وحتى الغارات الجوية للتحالف الدولي وكميات الأسلحة الكبيرة التي تسلّمها الجيش الاتحادي وجيش"البيشمركة" الكردي من المجتمع الدولي لم تؤدِ إلى انتصارات كبيرة، كما يرى الخبير في الشأن الأمني رشيد السامرائي وقال السامرائي ان "هزيمة داعش مستحيلة من دون التحالف مع الفصائل المسلّحة السنيّة المعتدلة، لأن هذه الفصائل لديها علاقات ممتازة مع السكان السنة، كما أن عناصرها مدرَبون جيداً على السلاح ويعرفون جيداً تحركات عناصر داعش أكثر من الحكومة والتحالف الدولي". ولكن هذه الفصائل تعاني من قلة السلاح حالياً وعدم قدرتها على مواجهة "الدولة الاسلامية" وحدها، ولا ترغب بالتعاون مع الحكومة بسبب خشيتها من الانقلاب عليها كما حصل مع قوات "الصحوة العشائرية" عندما حاربتهم حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ويحيط الغموض طبيعة الفصائل المسلّحة السنية، ويتحاشى قادتها ومسؤولوها الظهور في الإعلام، ويكتفون بنشر نشاطاتهم وبياناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، وتشير مواقفهم إلى أنهم يقفون ضد القتل بشكل عشوائي وأنهم ضد "الدولة الاسلامية". وتمكن موقع "نقاش"من التواصل مع ابوسمير الجميلي، أحد قادة "جيش المجاهدين" في الانبار. وقال الجميلي "كنّا دوماً نرفض أفعال الدولة الإسلامية المتشددة، كما نرفض السيارات الملّغمة التي تنفجر في بغداد بشكل عشوائي كما أننا نرفض سياسات الحكومة الطائفية بحق السنة". وعلى ما يبدو فإن الفصائل المسلّحة السنيّة كانت أمام خيارين أحلاهما مرّ: الأول الوقوف إلى جانب "الدولة الاسلامية"، والثاني "الوقوف إلى جانب الحكومة، ولكن هذه التنظيمات اختارت التزام موقف الحياد حتى اليوم بحسب الجميلي. ويقول الجميلي إن "مدننا السنيّة دُمرت بسبب داعش والحكومة، وكنا نحاول إعادة بنائها ولكن الأمر أصبح معقداً اليوم، وفي عام 2006 تحالفنا مع الحكومة لطرد تنظيم القاعدة من المدن السنية وفيما بعد خذلتنا الحكومة وطاردت قادتنا واعتقلتنا، أما التحالف مع داعش فهو مرفوض من قبلنا تماماً". وقال مصدر في السفارة الاميركية ببغداد أن المفاوضات السرية التي تجري مع قادة فصائل مسلحة سنيّة عبر وسطاء عرب وأكراد ما تزال صعبة حتى اليوم. وأضاف المصدر، وهو أحد المستشارين الذين أرسلتهم واشنطن إلى بغداد لتقديم العون للحكومة العراقية في مواجهة التنظيم قال إن "قائد التحالف الدولي الجنرال جون ألين حاول الاتصال مع أصدقائه من قادة الفصائل وشيوخ العشائر الذين كان على علاقة جيدة بهم عندما كان يعمل مع الجيش الأميركي في الأنبار، ولكننا فوجئنا بأن معظمهم يرفض التعاون معنا وهم اليوم مشردون خارج العراق بسبب سياسات الحكومة العراقية السابقة". وخلال الشهور الثلاثة الماضية كانت هناك اجتماعات سرية تجري بين مسؤولين في الحكومة العراقية وقادة في الفصائل السنية المعتدلة بطلب من الولايات المتحدة في أربيل عاصمة إقليم كردستان وفي العاصمة الأردنية عمان لكن جميعها فشلت، فما السبب؟. أبرز أسباب الفشل هي الميليشيات الشيعية التي ترافق الجيش في المدن السنية، إذ يقول محمد الزوبعي، أحد قادة "كتائب ثورة العشرين"، إن "على الحكومة سحب الميليشيات من مدننا ووقف القصف العشوائي على السكان الأبرياء وتعويض المتضررين وإعادة النازحين المهجرين وسحب الجيش إلى خارج المدن". وحاولت حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي تلبية هذه المطالب، وأوقفت القصف لكنه عاد مجدداً، كما أن الحكومة وجدت صعوبة في سحب الميليشيات الشيعية من المدن السنيّة، وهو ما ترك انطباعاً سيئاً لدى الفصائل المسلحة السنية بأن الحكومة لا تريد خيراً للمدن السنيّة، على حد قول الزوبعي. واضاف الزوبعي "تنظيم داعش والميليشيات الشيعية كلاهما إرهابيان، والحكومة تريد منّا الوقوف إلى جانب الميليشيات ضد داعش وهذا الأمر غير منطقي، والواقع فرض وقوف الفصائل المسلحة إلى جانب داعش ضد الميليشيات في بعض الأحيان لأنها سنية مثل الفصائل المسلحة". وتمتلك الفصائل نفوذاً واسعاً في المدن السنيّة، وتعقد اجتماعات مشتركة فيما بينها لتنسيق مواقفها كما يقول الزوبعي، وآخر قراراتها عدم دعم التحالف الدولي ضد "الدولة الاسلامية" وعدم التعاون مع مع التنظيم المتشدد كذلك، ولكن إذا هاجم الجيش والميليشيات المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلّحة فإنها ستحارب الجيش والميليشيات. أبرز تلك المناطق الإستراتيجية التي تسيطر عليها هذه الفصائل هي مناطق حدود بغداد من الشمال والغرب والجنوب، وتقوم بدور دفاعي، ولكن تنظيم"الدولة الاسلامية" المتواجد في هذه المناطق أيضا، يقوم بالهجوم على الجيش والميليشيات الشيعية المرافقة له. واصبحت المدن السنيّة في العراق اليوم ساحة قتال عالمية، وبسبب هذا القتال يتم تدمير العديد من المدارس والجسور والمباني الخدمية يومياً، بينما يتعرض الآلاف من سكانها إلى التهجير، ولا حلول موجودة لهذه الكارثة كما يؤكد الجميلي والزوبعي.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words