التطهير الطائفي يؤجج الحرب الأهلية في العراق
شبح الحرب الطائفية ليس بعيدا عن العراق في ظل ما تقوم به ميليشيات من تطهير طائفي تحت ستار انخراطها في الحرب على تنظيم داعش.
يحذّر متابعون للشأن العراقي من انزلاق البلد مجدّدا نحو حرب طائفية، قد تكون هذه المرّة أوسع نطاقا وأكثر دمارا بفعل دخول عوامل جديدة على الساحة من بينها الحرب القائمة على تنظيم داعش، وما أفرزته من بروز ميليشيات بدا أنها لا تتردّد في استخدام ما أتيح لها من قوة تسليح وتنظيم في تصفية حساباتها ذات البعد الطائفي الواضح.
وشهدت منطقة اللطيفية الواقعة إلى الجنوب من العاصمة العراقية بغداد، مؤخرا هروب الألوف من السنة تاركين بيوتهم ومزارعهم تحت وقع تهديد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وجاء في تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية كتبه بورزو داراجاهي من اللطيفية المصنّفة ضمن ما يُعرف بـ«المثلث السني» وتتوسط الطريق ما بين العاصمة بغداد ومحافظة بابل، أن الآلاف من العراقيين السنّة الذين كانوا يعيشون في هذه المنطقة تركوا أرزاقهم وهجروا مساكنهم خوفا من عمليات الخطف والقتل وهدم البيوت التي تقوم بها ميليشيات شيعية مختلفة، وذلك في وقت يقبع فيه المئات ممن لم يتمكّنوا من الهروب داخل سجون أشبه بالقبور على خلفية اتهامهم بدعم تنظيم داعش.
وقال الحاج إبراهيم الجنابي، وهو أحد أفراد قبيلة بارزة في المنطقة أثناء تجمّع قبلي «قتلت الميليشيات أو هجّرت أغلب أقاربي، ودمرت آلافا من الهكتارات من أراضينا الزراعية».
وإضافة إلى قطع المياه عن قنوات الري الحيوية، قامت الميليشيات الشيعية بهدم مئات البيوت بالجرافات وطلبت من سكّانها الرحيل.
وقال عدة أشخاص «إن عمليات القتل خفت في الأسبوعين الماضيين، لكن وصل قبل أيام إلى سوق اللطيفية للخضراوات عدد من رجال الميليشيات الشيعية وألقوا القبض على 104 أشخاص، وبعدها أطلقوا سراح الشيعة واحتجزوا السنّة».
وقال قاسم الجنابي، الزعيم القبلي البارز «لا أحد يعرف أين هؤلاء الناس الآن»، فيما قال عدنان الجنابي، وهو وزير عراقي سابق وزعيم قبلي يشغل الآن مقعدا في البرلمان العراقي «إذا استمر التطهير الطائفي، فستستمر الحرب الأهلية إلى الأبد، وسيقاتل الناس بعضهم بعضا حتى يفنوا جميعا».
عدنان الجنابي: باستمرار التطهير الطائفي تستمر الحرب حتى يفني الناس بعضهم بعضا
ويقتل كل يوم عشرات في تفجيرات يومية تستهدف المدنيين الشيعة، بينما يقتل مئات من السنة أو يتم تهجيرهم من قبل الميليشيات الشيعية كل أسبوع في دورة عنف بدأت منذ عقد من الزمن.
وأشعلت الهجمات غضب الشيعة، الذين قاموا بإجبار الحكومة الضعيفة على السماح لميليشيات منهم بتوسيع نفوذها. وقال أحد المنتمين للطائفة الشيعية «يجب أن يكون لنا بالطبع ميليشيات لتحمينا، العين بالعين والسن بالسن».
وتضافرت جهود الطبقة السياسية في العراق أخيرا وجمعت حكومة وزعت حقائبها على المجاميع الطائفية، ويرأسها حيدر العبادي من حزب الدعوة الاسلامي، وحازت هذه الحكومة الثناء لإعلانها برنامجا يهدف إلى رأب جراح الانقسامات الطائفية في البلاد. لكن خارج جدران المنطقة الخضراء، التي توجد فيها المراكز الإدارية المحمية جيدا، لم تخمد تماما نيران الحرب الطائفية.
وعلى الرغم من الوعود التي قطعها رئيس الوزراء، حيدر العبادي على نفسه بتفكيك الميليشيات، إلا أن هذه الميليشيات تزداد قوة وجرأة وتصبح ذات نفوذ سياسي أكبر.
وقال نعيم العبودي، المتحدث باسم مجموعة «عصائب أهل الحق»، وهي واحدة من أشرس المجموعات الشيعية المسلحة «نحن قوّة تستطيع قتال داعش دون مساعدة الولايات المتحدة».
وباستثناء محافظة الأنبار، حيث يجعل وجود داعش والضربات الجوية الحكومية وفقدان القانون من المستحيل إجراء تحقيقات، تقدّر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 50 عراقيا يموتون يوميا على الأقل من جرّاء اغتيالات وتفجيرات وراءها دوافع سياسية على صلة بالنوازع الطائفية، وهو مستوى لم يشاهد له مثيل منذ ذروة الحرب الأهلية العراقية التي حدثت قبل ثماني سنوات.
ويهدد هذا العنف اليومي بنسف خطط الولايات المتحدة الرامية إلى دفع العراقيين نحو نبذ خلافاتهم وتشكيل قوات أمنية فعّالة تقود هجوما أرضيا ضد تنظيم داعش بالتوازي مع قيام طائرات الولايات المتحدة وحلفائها بضرب مواقع التنظيم من الجو.
وبغض النظر عن تنوّع مكوّنات الحكومة العراقية، ما تزال المجموعات المسلّحة مستمرة في دفع العراقيين إلى خارج المناطق المختلطة المحيطة ببغداد وفي شمال العراق، وذلك حسب انتماءاتهم الدينية. وقالت ميسون الدملوجي، العضو في البرلمان العراقي «لدينا الآن تطهير طائفي كامل للشيعة في شمال سامراء وللسنة في جنوب بغداد».
وغمرت ميليشيات شيعية جيوبا ريفية واقعة على ضواحي العاصمة، وسط مخاوف من اختراق داعش لأطراف بغداد.
وقال محمد باهر قيوم، وهو سياسي شيعي «تعرّضت بابل في السنتين الماضيتين إلى هجمات مستمرة بالقنابل، وإذا قامت الميليشيات بتعبئة قواها، فسيكون ذلك فقط لحماية باقي المحافظة».
ساحات التحرير
|