مستوصف مار جريس حالة عراقية
كانت زميلتي، أم أحمد، تشكوا آلام اسنانها، عندما أخبرتني انها ستذهب الى مستوصف طبي قريب، علّها تجد حلاً أو علاجا يخفف شيئاً من ألم الضرس، الذي لا يحتمل ولا يقل شأنا عن آلام الصداع المزمن، الذي يعصف برؤوسنا من صراع السياسات وتناقض الأرادات وصياح المنّصات وكثرة الخطابات.. ما هي إلا ساعة من الزمن، حتى عادت أم أحمد وهي تقّبل أنامل يدها (وجه وكفه) لتضعها على جبينها وهي تردد، حمدا لله، شكرا لله.. بقدر ما أفرحني عودتها بهذه السرعة بلا ألم ضرس ولاهم يقلعون, بقدر ما تملكني الإستغراب ودعاني لأسئلها عن ما هية المركز الطبي ومكانه. لكن زميلتي المنتشية بهزيمة الألم اللعين، انطلقت بالحديث قبل ان انطق ببنت شفه.. كنت أستمع اليها وكأنها تتحدث عن أمنية أو حلم أو خاطرة كتبتها تحت عنوان "أمنيات عراقية" .. قالت.. المركز الطبي هنا, ليس بالبعيد، مستوصف مار جريس جنبا الى جنب مع كنيسة سان جورج قرب المحافظة، بإدارة مسيحية كاملة، فكل العاملين فيه من ملاك طبي وفني وخدمي، هم من اخوتنا في الديانة المسيحية.. حين تذهب اليه لطلب الفحص والعلاج، تجد نفسك متفضلا عليهم، وليس العكس أو كما تشعر بالحرج والأمتعاض حين تذهب الى بعض المراكز الطبية الحكومية، إذ الطبيب الصامت والممرض الغاضب والصيدلي الذي لا يعرف غير كلمة (هذا ماكو اشتريه من برّه) . كأنك تدخل ضيفا في بيت صديق يشتاق اليك كثيرا.. وجوه باسمة، تستبشر منها الخير والألفة والمودة. يستقبلوك بكرم ولطف وإمتنان والفحص والعلاج والدواء بالمجان.. في مستوصف مارجريس تشعر بأنك تعيش أجواء الكنيسة بكل ما فيها، فمن البديهي أن ترى الأب والقس والراهبة بأزيائهم وهندامهم الجميل، الذي يطغى عليه لون البياض والصفاء، ليزيد مما يراودك ابتداء شيئا من حرج، فلربما يختص هذا المركز باستقبال المرضى والحالات المرضية من الأخوة ذوي العوائل المسيحية، لكن سرعان ما ينتهي ذلك التساؤل ويتلاشى الحرج حين تعرف ان أغلب المراجعين إن لم يكونوا جميعهم من المسلمين.. إنه شيء يستحق الإشادة والفخر والإعتزاز. حين استمعت لما قالت لي زميلتي أم أحمد، أيقنت ان النبلاء وحدهم من يرتقون لرقي الذات، وان ما سمعته يمثل نموذجا راقيا لعظمة هذا الشعب ودلالة بحكم اليقين لوحدة العراق. هذا المركز الصحي ليس حلما أو أمنية أو تمني، بل هو حقيقة كالشمس في وضح النهار، يفوح بعطر أزهاره ويسموا بخلق القائمين عليه، وبقدر ما ننحني اجلالاً وإكبارا لهم، بقدر ما يدعونا جميعا مسلمين ومسيح ومن كل دين ومذهب، لأن نبتهل الى الله العلي العظيم، أن يحفظ العراق وأهل العراق، من شر الأشرار وكيد الفجّار، ونردد معا ما رددته ملائكة السماء قبل أكثر من ألفي عام، وهي تحتفي ببشارة ميلاد السيد المسيح (عليه السلام).. المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.
منهل عبد الأمير المرشدي
وكالة خبر |