أزمة فقدان الثقة تلاحق الحكومة العراقية الجديدة
يعتبر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة حيدر العبادي، خطوة أولى مهمة نحو إعادة توحيد البلاد، وتوحيد الجهود الوطنية للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية. لكن لا توجد أي ضمانات على نجاحها.
وأثنت الولايات المتحدة على الحكومة باعتبارها الإدارة "الجامعة" الجديدة التي كانت تتمنى وجودها، رغم أن أقليات السنة والأكراد ليست ممثلة بشكل عادل مقارنة بالغالبية الشيعية.
وكان السنة والأكراد انسحبوا من حكومة نوري المالكي، إذ رأت مختلف القوى السياسية والولايات المتحدة أن استئثاره بالسلطة وسياساته الطائفية التي همشت الأقلية السنية بوجه خاص، كانت سببا في تأجيج الأزمة الحالية وإعطاء ذريعة لمسلحي الدولة الإسلامية.
ويتعلق نجاح أو فشل حكومة العبادي في مواجهة الدولة الإسلامية بقدرتها على مواجهة الضغائن الحالية، وإقناع الأقلية السنية في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بأن مستقبلا أفضل ينتظرهم إن انضموا للحكومة في جهودها لمواجهة التنظيم.
وإذا فشلت الحكومة العراقية، فستجد الولايات المتحدة نفسها تدعم أحد أطراف ما يمكن اعتباره حربا أهلية، ويتحقق ما أشار إليه القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، ديفيد بياتروس، عندما حذر من أن ينتهي الأمر بأن تعمل القوات الجوية الأمريكية لصالح المسلحين الشيعة.
وحدث ما حذر منه بياتروس بالفعل منذ عشرة أيام، عندما ساعدت القوات الجوية الأمريكية مسلحي الشيعة الذين تدعمهم إيران في إنهاء حصار الدولة الإسلامية لبلدة آمرلي، بدعم رمزي من قوات الجيش العراقي، ومدفعية من القوات الكردية.
ساعدت قوات مجالس الصحوة السنية في طرد مسلحي القاعدة من الأنبار عام 2007
وتتميز آمرلي بأنها بلدة شيعية محاطة بقرى من السنة، انضموا للقتال مع الدولة الإسلامية، شاءوا أم أبوا. وأخليت القرى من سكانها ولن يعودوا إليها مرة أخرى.
وإن طبق الأمر نفسه في المناطق السنية التي لم يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية بعد، فستكون النتيجة كارثية.
وإدراكا لخطورة الموقف، أعلن البيت الأبيض، بعد مكالمة تهنئة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعبادي، أنهما اتفقا على "أهمية أن تتخذ الحكومة العراقية الجديدة خطوات جادة وسريعة للتعامل مع طموحات ومخاوف الشعب العراقي".
وتعتبر تصريحات البيت الأبيض إشارة واضحة للسنة، وأن دمجهم في الحياة السياسية يتطلب أكثر من مجرد عدد من المقاعد في الحكومة.
واقترح العبادي في برنامجه السياسي الذي طرحه على البرلمان، إعطاء سلطات أوسع للأقاليم في كل القطاعات، بما في ذلك قطاع الأمن، ليشارك السكان المحليون في "تكوين حرس وطني كركيزة أساسية للأمن في المحافظات".
ضغائن الماضي
وتلقى مقترحات العبادي في طريقها الكثير من الشكاوى السنية بخصوص التهميش والقمع والوقوع ضحية لممارسات إقصائية.
لكن سوابق عدم الثقة في الحكومة تغلب على أي وعود، فقبائل السنة التي قاومت وطردت القاعدة من غربي الأنبار عام 2007، شعرت بالخديعة عندما لم تف الحكومة في بغداد بأي من وعودها لهم.
وتقول قبائل السنة إنها على استعداد للمشاركة في الحملة على الدولة الإسلامية، لكنهم يريدون ضمانات دولية ببداية عهد جديد لهم، وبأنهم لن يهمشوا مرة أخرى.
وتقوية جبهة السنة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، بجانب المساعدات الخارجية، قد يعني أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى قد تضطر إلى التعاون مع مسلحي السنة الذين قاتلوا قواتها بعد اجتياح العراق عام 2003.
لكنها ليست المرة الأولى التي تتعاون فيها الولايات المتحدة مع السنة، فمنذ عام 2007 تدعم الولايات المتحدة مجالس الصحوة، وهي مجموعة من رجال قبائل السنة المسلحين الذين كانوا موالين للقاعدة ثم غيرت توجهاتها.
كما أن مسلحي الشيعة الذين أمدتهم الولايات المتحدة بغطاء جوي في آمرلي هم أنفسهم من هاجموا القوات الأمريكية وقتلوا بعض جنودها في نفس الفترة السابق ذكرها.
تعتبر ألوية بدر، التي تدعمها إيران، أحد أكبر القوى المؤثرة في السياسة العراقية
ويبدو أن كل الأطراف المعنية على استعداد لتخطي ضغائن الماضي، ومواجهة ما يرون أنه خطر وجودي أكبر وأكثر إلحاحا.
وقد يعني دعم السنة، بالنسبة للأمريكيين والعراقيين الشيعة والأكراد، تقوية الموالين لحزب البعث الذي تزعمه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهم جزء كبير من الحراك الوطني السني.
والسبب في كل محاولات الدعم هذه هو أن الجيش العراقي في حالة مزرية، إذ ثبت فشله في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في الموصل وشمالي العراق في يونيو/حزيران الماضي. وإعادة تأسيس الجيش العراقي كقوة قتالية حقيقة، ليس مهمة سهلة.
وكان المالكي قد اضطر للاستعانة بالمسلحين الشيعة للدفاع عن بغداد وضواحيها ضد الدولة الإسلامية، وهم نفس المسلحين الذين قاتلهم الجيش العراقي عام 2008 تحت شعار "فرض القانون".
ولاءات شخصية
وأحد أهم التحديات التي تواجه العبادي هو ملء الفراغ في منصبي وزير الدفاع والداخلية، اللذين أعلن بقاؤهما فارغين لمدة أسبوع لحين التوصل إلى اتفاق بشأن المرشحين.
ومن المتوقع أن تكون وزارة الدفاع من نصيب القوى السنية، في حين أن أكثر الأسماء المرجحة لشغل وزارة الداخلية هو هادي الأميري، قائد منظمة بدر، إحدى الجماعات الشيعية المسلحة التي تدعمها إيران، وهو ما قد لا يقبله السنة.
ويتمثل التحدي في تحويل جهازي الأمن والدفاع إلى مؤسسات وطنية حقيقية، وليس قطاعات طائفية.
وكان المالكي قد أحكم قبضته على الوزارتين، وأسس شبكة من الولاءات الشخصية له، من بينها وحدات الألوية الذهبية، التي كانت تأتمر بأوامره فقط.
وأصبح المالكي الآن أحد نواب الرئيس الثلاث، وهو منصب شرفي بدون أي سلطات حقيقية.
ولكن السؤال الذي يتنظر إجابة هو هل يمكن للمالكي استخدام ولاءاته للسيطرة على بعض شؤون الأمن، خاصة إذا فشل الوزيرين الجديد.
bbc |