عودة التهجير الطائفي إلى بغداد .. مغادرون ربما لن يعودوا
يحمل العامري ذو الأربعين ربيعاً الذي ينحدر من مدينة بعقوبة بديالى ذكريات أليمة عن عام تهجيره الأول عام 2006 حين بقي يدور في حلقة مفرغة لعله يجد طائفة تحتظنه وتقبل به وزوجته التي تنتمي لطائفة أخرى.
يقول عمار لـ"نقاش" أنه انتقل عام 1996 لبغداد بعد زواجه من زينب ابنة منطقة الصدر لكنه لم يكن بحسبانه حينها إن زواجه وأسمي أولاده سيكونان سبباً في بقائه متشرداً.
عمار تم تهجيره عام 2006 من مدينة الصدر فعاد حينها إلى ديالى لكن عودته هذه لم تكن موفقة بعد مداهمة عناصر من القاعدة منزله وتخييره بين الذبح أو مغادرة المدينة بعدما عرفوا أن ولديه يحملان أسماء كرار وسجاد وإن زوجته من طائفة أخرى فعاد ليسكن في مدينة الشعب.
وبعد مرور ثمان سنوات على تلك المعاناة طرق عناصر مليشيا معروفة وقال له احدهم دون مقدمات "شفعت لك زوجتك وإلا كنا قتلناك دون تحذير وعليك ان تغادر المكان".
بحث العامري كثيراً عن منطقة يستطيع الخلاص فيها من نار الملسحين والمليشيات على حد سواء ويقول"لم أجد سوى المنطقة الخضراء حيث ساعدني القاضي الذي أعمل كحارس شخصي له منذ أكثر من عقد على السكن فيها مؤقتاً" يختتم العامري حديثه.
حامد الجبوري شخص آخر تم تهجيره من منطقة أبو دشير جنوبي العاصمة في السادس من تموز الجاري بعدما قضى اأكثر من ست سنوات في تلك المنطقة.
لم نستطع الحديث مع الجبوري الذي غادر العاصمة متوجهاً إلى مدينة الموصل مسقط رأسه وأهله إلا إن زوجته عبير التي فضلت البقاء في بغداد بين أبناء طائفتها خوفاً من بطش داعش روت لنا ماجرى.
جهشت عبير بالبكاء وهي تتحدث عن ما حدث لزوجها على أيدي إحدى المليشيات حين اختطفوه من أمام المطعم الذي كان يعمل فيه وبعد توسلات ووساطات من شخصيات مؤثرة من المنطقة والأقارب رموه على باب البيت وهو فاقد الوعي من شدة التعذيب.
تزوج الجبوري الذي تجاوز عقده الثلاثين بعام عبير بعد تخرجه من جامعة بغداد التي ارتادها وتعرف خلالها عليها ليسكن العاصمة انصياعاً لرغبة زوجته ويستقر فيها تقول عبير " لم يشكل انتماء حامد المذهبي أي مشكلة لدينا في المنطقة على مدى ست سنوات مضت، حتى إن علاقاته كانت جيدة مع أبناء المنطقة جميعهم رغم اختلافهم مذهبيا معه".
ويبدو إن تأثيرات سيطرة داعش بعد العاشر من حزيران الماضي على العديد من المدن العراقية وعودة الشحن الطائفي من قبل الأطراف السياسية كان له تاثيرات سلبية كبيرة على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي لاسيما في المناطق المختلطة مذهبياً.
داعش هجّرت آلاف العوائل الموصلية من التركمان الشيعة بمنطقة تلعفر والشبك القاطنين في قرى بازوايا وعلي رش والقبة وغيرها في مناطق سهل نينوى للأسباب ذاتها الأمر الذي أثار ردة فعل عنيفة ضد العائلات السنية في بغداد.
غادر الجبوري العاصمة لكنه لم يستطيع أخذ عبير وطفليه محمد وحسين معه لأن أهله حذروه من القدوم للمدينة لمعرفة أهالي المنطقة التي يعيشون فيها في الموصل بأن زوجته تنتمي لغير مذهبهم، وبالتالي الخشية من استباحة داعش لدمها ودم أطفالها.
محمد مهدي الشاب العشريني الذي يحمل في ذهنه توجهات مدنية بعيدة عن الأحزاب والطوائف والأديان تعرض هو الآخر للتهجير.
اشترطت زوجة محمد السكن قرب أهلها بمنطقة السيدية ذات الغالبية السنية جنوبي بغداد للموافقة على الزواج به وقبل بشرطها حتى تغير واقع الحال بعد ثلاث سنوات وقبل أيام وجد رسالة في ظرف صغير مع رصاصة تطالبه بمغادرة المنطقة دون رجعة.
محمد حمل أثاث منزله فور تلقيه التهديدات لينتقل إلى بيت والديه بمنطقة القاهرة شرقي العاصمة التي تقطنها الغالبية الشيعية ويقول "لم أنسَ تلك الأيام الجميلة التي قضيها في تلك المنطقة ومحبة الأصدقاء لي".
عمار والجبوري والكثيرون غيرهم غادروا بغداد بانتظار عودة الأمن إليها وربما لن يعودوا مجدداً.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words