الحل في العراق: انتفاضة شيعية
ينبغي على الشيعة أن يسألوا المالكي سؤالا واحدا قبل أن يقفوا معه: ماذا وصلنا من ترليون دولار هي دخل العراق النفطي في عهدك؟
حين وافقت الادارة الاميركية على أن يتولى نوري المالكي منصب رئيس الوزراء علق الرئيس الاميركي جورج بوش الابن بأنه الرجل المناسب للعراق.
كان العراق يومها بلدا محتلا، وكان في إمكان الولايات المتحدة أن تضع في ذلك المنصب اي واحد من السياسيين العراقيين الذين جلبتهم مثلما جلبت المالكي معها ليديروا البلد في ظل الاحتلال. غير أن اختيارها قد وقع على المالكي من دون الآخرين، وهو ما دفع بالكثير من العراقيين إلى السخرية مما اسموه بالاختيار الخطا.
فالمالكي لم يكن لاعبا أصليا بل كان لاعب احتياط في العملية السياسية التي أطلقتها سلطة الاحتلال وأشرفت عليها ليكون العراق من خلالها منارة للديمقراطية في المنطقة.
وإذا ما كان البعض لا يزال يعتقد أن الانتخابات التي أجريت عام 2005 هي التي أهلت المالكي للحكم فلأنه (أي ذلك البعض) يؤمن بأن الديمقراطية يمكن أن تقوم في ظل وجود سلطة احتلال هي نتاج غزو أجنبي قام بتدمير البلد والغاء دولته المدنية والعودة به إلى أزمنة القبائل والعوائل والطوائف والاقطاعيات المتناحرة.
كان المالكي بغض النظر عما يقال عن الانتخابات خيارا أميركيا فُرض على العراقيين في صفقة كانت ايران طرفا فيها.
الآن بعد ثمان سنوات عجاف من حكم المالكي ألا يزال المالكي هو الرجل المناسب للعراق من وجهة نظر أميركية؟
ما لم تحلم فيه الولايات المتحدة في مشروعها الاستعماري استطاع المالكي أن ينجزه ويرسخ بنيانه ويمد له جذورا عميقة في الارض. لا لأنه قدم نموذجا فريدا من نوعه للدولة الفاشلة ولا لأنه ارتقى بالعراق سلم الفساد ليصل به إلى المرتبة الأولى مقارنة بسواه من الدول الفاسدة بل لأنه شرعن العجز الحكومي، بحيث صار من البديهي أن تكون الحكومة غير مسؤولة عما يجري في البلد. كما لو أنها تقوم بمهمة شرفية، لا تلزمها بالقيام بأي شيء.
في مقابل ذلك فإن الحكومة وقد تحللت من مسؤولياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية كانت تتصرف بأموال العراق الثري بما تجده مناسبا لمزاجها الطائفي. فصار المالكي يوزع الأموال بما يضمن استمرار الولاء له بين أتباع حزب الدعوة الذي هو زعيمه، لا فرق بين مَن يقيم منهم داخل العراق أو مَن اختار أن يبقى محصنا بلجوئه.
لقد أهدر الرجل ما يقارب ترليون دولار هي مجموع ما حصل عليه العراق من صادراته النفطية في ثمان سنوات من غير أن يشهد قطاع الخدمات في العراق أي تحسن يُذكر.
بعد ثمان سنوات من حكمه لا يزال المشهد في بغداد وفي باقي المحافظات يذكر بمشاهد يمكن أن ترى في بلدان فقيرة، نكبتها الطبيعة بكوارثها.
لقد بلغ الهوس الطائفي بالمالكي درجة صار معها يعتبر أن كل كلام عن حق العرب السنة من مواطني العراق في المواطنة نوعا من التآمر على المذهب الذي صار وليا عليه. ولأنه كان عاجزا عن ايقاف عجلة النمو والازدهار العمراني في كردستان فقد صب كل حقده على المناطق ذات الغالبية السنية.
وها هو الانفجار الشعبي يزلزل حكمه الذي يعتقد أنه سيكون محميا من قبل غالبية شيعية ستقف وراءه، لا لشيء إلا لأنه رفع راية الحسين في مواجهة راية يزيد. وهي مزايدة على تاريخ، اكتشف الكثيرون من شيعة العراق أنها لا تمثل ميزانا لبناء دولة الخدمات التي كان يجب عليها أن تنتقل بهم من البؤس والفقر والحرمان إلى عالم مترف يليق بهم كونهم أصحاب ثروة.
المحافظات العراقية ذات الغالبية الشيعية لا تقل بؤسا وفقرا عن المحافضات التي انتفضت دفاعا عن كرامتها. ربما كانت الاوهام الطائفية مصدرا لذلك الوهن الذي يعاني منه سكان تلك المحافظات، ولكنه سيكون وهنا مرضيا قابلا للشفاء من خلال التطلع إلى حياة مستقرة، يكون المال مصدر رخائها لا سبب خرابها.
وكما أرى فان اصرار المالكي على البقاء حاكما مطلقا في العراق سيكون بمثابة سببا في انتفاضة شيعية ترنو إلى بناء عراق مختلف. عراق يعزز فيه الشيعة أسباب كرامتهم في المواطنة الحقة بدءا من الاعتراف بمواطنة الآخرين من ابناء وطنهم.
فاروق يوسف
ميدل إيست أون لاين |