ديلي ستار: إحباط السُنَّة وتراجع مشاركتهم في الانتخابات سيمنح المالكي ولاية ثالثة
مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية المقبلة المقرر إجراؤها في الثلاثين من نيسان، يجد العراق نفسه متورطاً في مأزق سياسي وعسكري آخر شبيه بمأزق عام 2004 وبسفك الدم الطائفي في 2006. ففي كانون الأول من العام الماضي، أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بإخلاء مخيم الاحتجاج قرب الرمادي بأسلوب قاسٍ، ما أشعل فتيل مواجهة جديدة بين المتظاهرين السُنّة والثوار من جهة وبين الحكومة المركزية من جهة أخرى.
واستغلت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هذه الحادثة لاستعادة السيطرة على محافظة الأنبار غرب البلاد، فقام هذا التنظيم السلفي الجهادي في كانون الثاني بشن هجمات منسقة بما في ذلك هجوم على مدينة الفلوجة التي تحولت اليوم إلى بوتقة من المشاعر المعادية للحكومة، فما كان من المالكي إلا أن يشن هجوما شاملا على محافظة الأنبار المضطربة.
ومنذ ذلك الحين والأحداث العنيفة مستمرة بشكل يومي. مع هذا وربما بسبب هذه الظروف الصعبة يبدو ان المالكي يتهيأ للفوز بولاية ثالثة في منصبه كرئيس للوزراء.
وتمثل هذه التطورات تذكيراً بالمسار الهش بعد سنتين على رحيل آخر القوات العسكرية الأميركية عن البلاد. في عام 2013، شهد العراق أعلى معدلات القتل منذ 2008، حسب الأمم المتحدة، حيث قتل ما يقرب من 9 آلاف شخص.
وبعيدا عن العنف المزمن، يبقى هناك عدد من المسائل المتعلقة بهوية العراق وبساحته السياسية الجديدة ، وبأعمدة إعادة الأعمار الاقتصادية الاجتماعية، بلا حلول.
العزلة الطويلة للسُنّة، والتي لاتزال نقطة الخلاف الأساسية، ازدادت سوءاً خلال السنوات القليلة الماضية بسبب خطابات المالكي وسياساته الطائفية العلنية، إضافة الى مناوراته التي تستهدف السياسيين السُنّة، حيث تستمر مطالبة السُنّة بالمشاركة الكاملة في مؤسسات الدولة واستنكار القمع الذي يتعرضون له على يد الجيش العراقي والقوات الأمنية.
وبالإجمال، فان العملية السياسية قد أثبتت على الدوام عجزها عن تحقيق أي نوع من الاتفاق – ولا حتى وضع آلية للحوار والمصالحة وحل الصراع بين مختلف المعنيين. من جهة أخرى يظهر على أبناء الشعب التعب والسخط وعدم الاهتمام بالسياسة وبالانتخابات التشريعية المقبلة على وجه الخصوص.
ولحد الآن، كانت كل الانتخابات - التي من المفترض ان تعزز الديمقراطية وتحقق الرفاه لأبناء الشعب - يشوبها العنف الطائفي وعدم الاستقرار.
وأدى هذا الى تزايد نفور السُنّة، وهو نمط من غير المحتمل ان تغيره انتخابات نيسان المقبلة. بالإضافة الى ذلك، فان استمرار اجتثاث البعث ومنع عشرات المرشحين على خلفية جرائم مزعومة (بضمنها الشذوذ الجنسي) والمساومة المعقدة حول تشكيل الحكومة، كلها تعتبر عوامل ساهمت في تشويه سمعة النظام الانتخابي والنظام السياسي الجديد ككل. ان إجراءات التصويت نفسها أصبحت عبارة عن منافسة شديدة بين اللاعبين، كما اتضح في عام 2013 من خلال الجمود الطويل بشأن اعتماد قانون انتخابي جديد حل محل القانون الذي أعلنت المحكمة العليا في 2010 بأنه غير دستوري.
هذا القانون الذي تم تمريره في تشرين الثاني الماضي، زاد عدد المقاعد البرلمانية من 325 الى 328 وغيّر طريقة توزيعها لصالح الأحزاب الصغيرة التي لاتزال لحد الآن مهمشة بسبب التحالفات الكبيرة. هذا سيسمح بتمثيل برلماني أوسع خاصة للأقليات والمحافظات. ومع بقاء نظام القائمة المفتوحة، فقد تم الغاء فكرة الدائرة الانتخابية لمقاطعة واحدة التي استخدمت في انتخابات 2005 والتي دعا اليها الكرد .
على خلفية ذلك، فان قادة السُنّة يصوّرون رد الفعل السُني – السلمي والمسلّح – على انه آخر ضمانة ضد عودة العراق الى النظام التسلطي في حال فوز المالكي بولاية ثالثة. على أية حال فان السُنّة يفتقرون الى قيادة ورؤية موحدة، وقد نجح المالكي في استغلال انقساماتهم لإحباط إعادة التحشد السياسي و منع ظهور تحالف سُنّي جديد و قوي على غرار القائمة العراقية في 2010.
كما نجح رئيس الوزراء في جذب عدد من شيوخ السُنّة، بعضهم كان ينتمي لحركة الصحوة في 2007، لمحاربة مجموعة داعش والثوار الى جانب الجيش والقوات الأمنية.
ومع نهاية الكتل الكبيرة التي اتسمت بها الانتخابات السابقة، فان حزب الدعوة يعتبر الآن منافساً رئيسياً؛ وهو أمر لن يخفف من لهجة واجراءات المالكي، وانما سيزيد من القمع والحكم الأوتوقراطي اذا ما أعيد انتخابه. هذا السيناريو سيزيد من الاستياء تجاه حكومته .
ربما يكون المالكي هو السبب الرئيسي في تطرّف السُنّة وفي الانعكاسات الطائفية المتنامية، إلا أن مواجهة الأنبار ليس من المحتمل ان تضعفه انتخابيا. في الواقع ان العنف المتجدد على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة وغياب الوحدة السُنية (بعض العشائر دعت حتى الى مقاطعة الانتخابات) وتشظي المشهد السياسي الشيعي (إعلان الصدر اعتزاله السياسة في شباط)، كلها تخلق ظروفا لصالح ولاية أخرى للمالكي، وهذا ما سيتحقق اذا ما قلّ إقبال السُنّة على صناديق الاقتراع بسبب خيبة أملهم بالعملية الانتقالية.
في سياق الفراغ الأمني، فان المالكي يصوّر نفسه القائد الشرعي المقتدر الوحيد في البلاد، والرجل القوي الذي يحتاجه العراقيون. وخلال زيارته الى واشنطن في كانون الثاني الماضي، أكد رئيس البرلمان أسامة النجيفي كيف ان من المحتمل ان يستخدم المالكي الظروف الأمنية المتدهورة لتأجيل الانتخابات في بعض المحافظات، ويزيد من تهميش السُنّة مع ضمان اعادة انتخابه.
ومن الواضح ان عدم الاستقرار الناجم عن الانتفاضات العربية لعام 2011 وتسرّب الأزمة السورية الى العراق، ساهمت ايضا في تفاقم منطق العنف. اضافة الى العمليات المسلحة التي تقوم بها مجموعة داعش غرب وشمال البلاد وفي بغداد ايضا، فان العديد من المليشيات الشيعية مثل عصائب أهل الحق المدعومة من ايران والمنشقة عن جيش المهدي وكتائب حزب الله ومنظمة بدر، تقاتل في سوريا دعما لنظام الأسد. بدأت هذه المليشيات بإعادة التحشد داخل العراق ويقال انها تسللت الى القوات الأمنية.
ومع ان أول أهدافها هي المجموعات السلفية الجهادية فإنها مسؤولة ايضا عن سلسلة هجمات ضد السكان المدنيين من السُنّة ما يزيد من مخاطر صراع طائفي جديد.
وفي مقابلة مع فرانس 24 يوم 24 آذار ، صرّح المالكي ان السعودية وقطر دخلتا في حرب ضد العراق من خلال تحريضهما على الإرهاب ضد حكومته ومن خلال توفير الدعم السياسي والمالي والإعلامي للمقاتلين السُنّة.
مثل هذا التصريح من شأنه ان يؤجج التوترات القائمة في داخل العراق وفي المنطقة. وردت المملكة العربية السعودية بوصف هذه الاتهامات بالعدوانية وغير المسؤولة، بينما أدانت الأمارات العربية المتحدة كلمات المالكي واستدعت سفيره لديها. وفي نفس الوقت سارعت الولايات المتحدة بتسليم الصواريخ والطائرات بلا طيار الى القوات المسلحة العراقية.
وبغض النظر عما اذا كانت انتخابات نيسان ستجري في وقتها أو انها ستؤجل، فان استخدام القوة لن يحل الجمود القائم. وفي منتصف شباط، وكبادرة حسن نية ، التقى المالكي بقادة وعشائر الأنبار وتعهّد بمبلغ 83 مليون دولار لتطوير المحافظة. ومع هذا فان هذه الزيارة لم تكن كافية، حيث يستمر القتال بين داعش والعشائر المحلية والحكومة.
إضافة الى هذا الكلام، فان الإجراءات الملموسة مطلوبة. ان أي شكل من أشكال التقدم المستديم يتطلب في المقام الأول إعادة التأهيل السياسي الفعّال لأهل السُنّة.
المدى
|